«قتلوا حلمي المجنون»

وصل جنان حلمي إلى العنان.. فعقب ثورة 30 يونيو العظيمة، حلمت وكان حلمي جازمًا برجوع امبراطورية الأجداد المفقودة منذ آلاف السنوات، ولِمَ لا وها هو هدير صوت الشعب يدوِّي في أرجاء الكرة الأرضية؟! ولِمَ لا وهنا أكبر خروج في التاريخ لشعب في ثورة عظيمة يطالب بتخليص مصر من حكم الإرهاب والفساد؟! ولِمَ لا وها هو أحد أبناء القوات المسلحة المصرية، التي أعتبرها الوريث الشرعي لهوية امبراطورية الأجداد، يعلن ويقول “مصر أم الدنيا وحتبقى أد الدنيا”؟!

وليس هذا فقط هو الذي دعم حلمي، بل كل المعطيات السياسية والاقتصادية التي كنت أستقرئ حدوثها بعد تلك الثورة العظيمة.

فالأشقاء في السعودية والإمارات والبحرين وبعض الدول الأخرى أعلنوا التحدي ليس فقط لإنقاذ مصر بل لبنائها لتكون منصة انقاذ فيما بعد للآخرين. وفي دائرة ذلك الاستقرار كنت أرى تراجع الدور الأمريكي بل وانتهاءه مستقبلًا، هذا الدور الذي صنعه السادات بمخيلته السياسية الضعيفة، وأدخل مصر في دائرة الاحتلال الأمريكي، وهو السبب الرئيسي لما وصلت له مصر من تراجع، بل وانهيار شبه كامل على جميع المستويات.

ولِمِ لا؟! فهذا الحلم المجنون سهل تحقيقه في دولة تمتلك كل مقومات القوة من موارد، وموقع جغرافي متفرد، ووجود يسبق التاريخ.

لكن معذرة لحلمي الذي جعلته مجنونًا بجناني، فأنا الآن في كابوس أحاول النهوض من بين مخالبه الذي يُطبق على صدري، ويخنق أنفاسي وربما يودي بحياتي، وكل ما أتمناه من واقع بعيد عن جنون حلمي أن تظل مصر باقية مستقرة بكل عوامل الإرهاب والفساد اللذين يحكمان كل شيء في المجتمع، وسيظل حلمي قائمًا على استحياء بأن يأتي الوقت ربما بعد رحيلي لمن لديه إرادة تخليص مصر من الاختطاف، والسير بها نحو الخلف حيث يقبع تاريخ أجدادنا الملوك وعظماء الإنسانية.

لن اكتب فيما هو قائم وواقع مرير يعيشه المواطن، ولن أكتب مرة أخرى عن أحلامي المجنونة، بل ما أكتبه وسأكتبه هو تمنيات أن يتحرك نظام الحكم بقيادة الرئيس لتغيير سياسة الحكم القائم لتكون سياسة مستمدة من الأشقاء في الإمارات والسعودية اللذين هما مثال لابد أن نحتذي به بعد أن حذفنا مسيرنا بيد أنظمة حكم ضعيفة خارج دائرة التواجد الإنساني والسياسي لتلك الدول التي هي من صناعة علوم ومعرفة آبائنا القريبين في الزمن، والذين ما زال بعضهم على قيد الحياة والبعض الآخر مات قهرا على ذلك المسير، وهي سياسة دولة مدنية قائمة على استراتيجيات عمل داخل الإدارات الرقمية، ومجتمع خالٍ من الفساد والإرهاب، ومنظومة تعليم حديثة متطورة قائمة على منهج مبسط يفتح برابخ الابداع والبحث والتفكير لدى الطالب ليكون مواطنًا مناسبًا عمليًا وعلميًا لبناء دولة قوية.

كل ذلك لن يحدث في المؤسسات المتهالكة القائمة الآن، بل يلزم ان تكون مؤسسات حديثة تحت قيادة شباب الثورة الرقمية، ومن ثم يتم التخلص من كل موروثات نظام حكم مبارك المدمر، ومن ثقافة الاخوان الإرهابية التي تتحكم في الكثير من سلوك المسئول والموظف، ولحين حدوث ذلك او عدم حدوثه يجب البحث عن انقاذ المواطن من حالة الموت المحيط به من كل جانب، وذلك الإنقاذ لن يكون بيد المؤسسات القائمة حاليا، بل بيد جهة وحيدة مازالت محتفظة بهويتها المصرية ولم يخترقها فساد أو إرهاب وتحوز على مهابة وثقة المواطن وهو جهاز أمن الدولة “الامن الوطني”.. على أن يُطلَق يده في الشارع لحماية الوطن والمواطن من الفتك به من الفساد والإرهاب.

هنا حلمي غير المجنون والمرتبط بالواقع وهو انتظار لحظة الفرج التي يعلن فيها الرئيس تغييرا كليا وشاملا في منظومة حكمه قبل فوات الأوان.

أضف تعليق