عشر سنوات على أحداث الاتحادية «2 من 2»

– مكتب الإرشاد يطلق ميليشياته للاعتداء على المتظاهرين حول «الاتحادية» تحت إشراف أيمن هدهد
– السيسي يحذر من الحرب الأهلية.. وسر المحادثات التي جرت بين مرسي ووزير الداخلية وقائد الحرس الجمهوري
– مصطفى خاطر وإبراهيم صالح يتحديان النائب العام المعين ويضعان مرسي في حرج بالغ
– لماذا تراجع طلعت عبد الله عن الاستقالة التي كتبها ثم قام بسحبها؟!
– الاعتداء على المستشار الزند أمام نادي القضاة بعد تهديده

في الحلقة الثانية من أحداث الاتحادية التي شهدتها البلاد خلال شهر ديسمبر 2012 يتعرض الكاتب الصحفي مصطفى بكري رئيس التحرير في كتابه الذي سيصدر قريبًا ويحمل عنوان «القضاة والإخوان – معركة العدالة وطيور الظلام»، الصادر عن دار سما للطباعة والنشر، لتفاصيل وأسرار ما حدث خلال هذه الفترة من اعتداءات لميليشيات الإخوان على المتظاهرين السلميين، واختطافهم وتعذيبهم، والتحقيق معهم أمام بوابة القصر الرئاسى رقم (4) بمعرفة أيمن هدهد.

ودور أسعد الشيخة وأحمد عبد العاطى فى تحريض الرئيس مرسى على الشرطة واللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية، وادعائهما بوجود مؤامرة تقودها الشرطة ضد الرئيس.

كما يرصد بكرى فى هذه الحلقة موقف المستشارَين مصطفى خاطر وإبراهيم صالح في الاحتكام إلى العدالة ورفض تنفيذ تعليمات النائب العام المعين طلعت عبد الله، بعد أن هالهما حجم التعذيب والضرب المبرح الذى تعرض له المقبوض عليهم من المتظاهرين السلميين، وأثبتا أن مَن تولى ضبطهم وتعذيبهم مجموعة من ميليشيات الاخوان الارهابية، وانتهى جميع أعضاء فريق النيابة العامة بقرار إخلاء سبيل جميع المتهمين ما عدا من ضُبط بحوزته أسلحة نارية ينتمون جميعا إلى جماعة الاخوان وحلفائها، وهو ما دفعهما لتقديم الاستقالة ردا على قرار النائب العام المعين بنقلهما إلى بنى سويف.

وهو ما دعا أعضاء النيابة العامة والقضاء إلى الدعوة لجمعية عمومية ترأسها المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة أعلنوا فيها تضامنهم مع رجال النيابة فى نيابة شرق القاهرة. وقرروا تعليق العمل بجميع نيابات الجمهورية لحين إقالة المستشار طلعت ابراهيم النائب العام المعين.

كما عرض بكرى موقف القيادتين العسكرية والأمنية من الأحداث.

فى اليوم التالى أجرى رئيس الجمهورية اتصالا باللواء أحمد جمال الدين، لقد كان غاضبًا ومحتدًا فى الحديث وقال لوزير الداخلية: أنا أحمِّل الشرطة المسئولية عن الأحداث التي شهدها القصر الجمهوري أمس، لو كان هناك جدية فى التعامل مع هؤلاء المخربين لما حدث ذلك، ولكن للأسف رجال الداخلية تظاهروا مع المخربين وكمان حملوهم على الأكتاف، أين الأمن؟ وكيف تترك الأحداث تتداعى بهذا الشكل؟

– قال وزير الداخلية: لكن الشرطة كانت تعرف أن المظاهرة سلمية ولن يقتحموا القصر.

– قال محمد مرسي: لكنك لم تستطع حماية رئيس الجمهورية، كيف سمحت لهؤلاء المخربين بأن يتواجدوا أمام القصر ويعتدوا على سيارة رئيس الجمهورية؟

– قال وزير الداخلية: كانت قوات الأمن موجودة وهى التى أفسحت الطريق، وقد تصدينا لهم وألقينا القبض على عدد منهم، ومع ذلك أقول لسيادتك: إن قوات الأمن كانت قد أعدت 40 تشكيلا لمواجهة هذه الأحداث.

– قال الرئيس: وأين هم؟ وماذا فعلوا؟ يا فرحتي بيهم، هذه مؤامرة على الرئيس، وأنا لن أسمح باستمرار هذه المهزلة.

كان أحمد جمال الدين يعرف أن أسعد الشيخة وأحمد عبد العاطي يحرضان الرئيس على الشرطة وينقلان إليه معلومات خاطئة عن وجود مؤامرة تقودها الشرطة ضد الرئيس، ولذلك وصل فى هذا الوقت نحو مائة من ميليشيات الإخوان ووقفوا إلى جانب وحول دار الحرس الجمهوري لحماية الرئيس.

اللواء أحمد جمال الدين

ومع تدهور الأوضاع فى مساء اليوم ذاته، اتصل د.سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب السابق ورئيس حزب الحرية والعدالة، بالوزير أحمد جمال الدين حيث طلب الكتاتني من وزير الداخلية التدخل العاجل والسريع لإنهاء الاشتباكات التي كانت تدور فى هذا الوقت بين المعارضين وأنصار الرئيس مرسي حول قصر الاتحادية والشوارع المحيطة، وهنا طلب وزير الداخلية من د.سعد الكتاتني ضرورة إصدار تعليماته لشباب الإخوان بالانسحاب من أمام قصر الاتحادية حتى يتمكن من إنهاء هذه الاشتباكات على الفور.

أبلغ د.سعد الكتاتني، فى هذا الوقت المتأخر من الليل، أيمن هدهد المستشار الأمني للرئيس بضرورة فض المتجمهرين من جماعة الإخوان وإبعادهم فورًا عن محيط الاشتباكات.

وقد اتصل أيمن هدهد بشباب الإخوان أحمد المغير وعبد الرحمن عز وأيضًا أبلغ البلتاجي بضرورة التجمع أمام الاتحادية حتى تتمكن الشرطة من فض الاشتباكات، وبدأت عناصر الإخوان تنسحب تدريجيًا من المنطقة إلى الاتحادية، بينما كانت هناك مجموعة أخرى تمارس العنف والتعذيب على المتظاهرين المعارضين الذين تم اختطافهم من الشوارع وجاءوا بهم أمام بوابة القصر الرئاسي رقم (4) لتعذيبهم والتحقيق معهم.

وحتى هذا الوقت فى الخامسة من صباح 6 ديسمبر، لم يكن الإخوان قد سحبوا ميليشياتهم، وعندما التقى وزير الداخلية بأيمن هدهد، سأله: لماذا لم تسحبوا عناصركم كما أبلغني د.سعد الكتاتني؟ فقال له: سوف ينسحب الشباب ولكن بعد أن يؤدوا الصلاة على أرواح شهدائهم الذين سقطوا بيد المخربين.

أبدى وزير الداخلية امتعاضه من هذا السلوك وأدرك أن الإخوان قرروا الاستمرار فى المواجهة لحين طرد المعارضين من أمام القصر الجمهوري.

لقد أبلغ أحمد عبد العاطي وزير الداخلية فى هذا الوقت بضرورة أن تتسلم الشرطة بعض المقبوض عليهم من المواطنين بواسطة شباب الإخوان لتسليمهم إلى النيابة العامة، ولكن وزير الداخلية رفض ذلك، وقال: لن نتسلم أحدا إلا بعد حضور النيابة العامة.

كانت المعلومات التي وصلت إلى اللواء أحمد جمال الدين أكدت أن ميليشيات الإخوان قد قامت بتعذيب هؤلاء الشباب وأحدثوا بهم إصابات بالغة، ولذلك أدرك الخديعة ورفض تسلمهم فتم احتجازهم أمام بوابة (4) لحين وصول النيابة العامة.

وفى صباح اليوم ذاته عندما التقى الرئيس ووزير الداخلية كان عتاب الرئيس للوزير شديدًا، ولكن الوزير اشتكى له من أن عناصر الإخوان هى التى بادرت بالاعتداء وإشعال الموقف، وأن استمرار الأوضاع فى التدهور كان سببه أن أيمن هدهد رفض تنفيذ تعليمات د.سعد الكتاتني بصرف عناصر الإخوان بعيدًا عن القصر، فظلوا متواجدين حتى هذه اللحظة.

فى هذا الوقت طلب الرئيس من أسعد الشيخة صرف العناصر المتواجدة، خاصة بعد أن أدت مهمتها على الوجه الأكمل، وعلى الفور أصدر أسعد الشيخة تعليماته بإنهاء تواجد العناصر الإخوانية حول القصر فانصرفوا على الفور ودون تردد.

تحقيقات النيابة

كانت النيابة العامة تواصل تحقيقاتها فى هذه الأحداث اعتبارًا من فجر يوم الخميس 6 ديسمبر، حيث تلقت نيابة مصر الجديدة الجزئية بلاغًا بوقوع اشتباكات ومصادمات بمحيط قصر الاتحادية، وقد شرعت النيابة على الفور فى مباشرة التحقيقات وانتقلت إلى المستشفيات لمناظرة جثث المتوفين ومعاينة أماكن الأحداث.

المستشار مصطفى خاطر

لقد توجه المستشار مصطفى خاطر على الفور على رأس وفد من النيابة العامة ضم المستشار إبراهيم صالح رئيس نيابة مصر الجديدة، إلى قصر الرئاسة بمصر الجديدة، وهاله حجم التعذيب والضرب المبرح الذي تعرض له المقبوض عليهم، وقد قام فريق النيابة بإثبات تلك الإصابات فى حينه وبموجب تقارير طبية ومحضر إجراءات، حيث أفادوا جميعًا بأن من تولى ضبطهم وتعذيبهم مجموعة تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأن التعذيب الذي تعرضوا له منهم، كان الهدف من ورائه إجبارهم على الاعتراف بأنهم مأجورون للقيام بأعمال شغب لقاء مبالغ نقدية.

المستشار إبراهيم صالح

وفى الثالثة والنصف من بعد عصر يوم الخميس، عُرض المحضر الخاص بالواقعة على المحامي العام لنيابة شرق، حيث شرع فريق التحقيق من النيابة العامة برئاسة المستشار إبراهيم صالح رئيس نيابة مصر الجديدة فى مباشرة التحقيقات واستجواب جميع المتهمين فى ضوء محضر التحريات الذي أعده فريق من رجال المباحث الجنائية والأمن الوطني، والذى أشار إلى أن المتهمين تم ضبطهم بمعرفة عناصر من المتظاهرين الذين ينتمون لجماعة الإخوان، وأن التحريات أكدت عدم وجود أي أدلة تثبت إدانتهم وصِدْقَ التصريحات التى أدلى بها رئيس الجمهورية محمد مرسي فى خطابه فى اليوم التالى لهذه الأحداث، وهو ما لم يحدث جملة وتفصيلا، كما ذكر المستشار مصطفى خاطر فى خطاب استقالته المقدم منه إلى النائب العام المعين وكذلك فى خطاب الاستقالة المقدم من المستشار إبراهيم صالح.

وبعد الانتهاء من التحقيقات فى اليوم التالي، تم عرض الأمر على رئيس المكتب الفني للنائب العام، حيث أشارت التحقيقات إلى عدم وجود أي أدلة تفيد بتورط المقبوض عليهم فى تلقي أموال أو ارتكاب أعمال عنف، بل كان الكثيرون منهم ضحية للعنف والتعذيب، وأن النيابة العامة قررت الإفراج عنهم جميعًا.. بعد أن ثبت أنه لا توجد أي أدلة من شأنها إصدار قرار حبس للمتهمين، وأن جميع أعضاء فريق التحقيق اتفقوا على إخلاء سبيل جميع المتهمين – ما عدا من ضُبط بحوزته أسلحة نارية، وعددهم أربعة متهمين، ينتمون جميعًا إلى جماعة الإخوان وحلفائها.

الفريق أول عبد الفتاح السيسي

فى هذا الوقت تجمَّع حول مبنى محكمة مصر الجديدة حوالي 2000 من أهالي المتهمين ومجموعة كبيرة من المحامين للتنديد بما أسموه بتعسف النيابة العامة والتأخر فى إخلاء سبيل المتهمين، وطالبوا بالإفراج عن المقبوض عليهم.

وفى اليوم نفسه تلقى المستشار خاطر إخطارًا من النائب العام المعين بأنه يتعين عليه حبس مجموعة من المتهمين، كان عددهم 45 متهمًا، ولكنه رفض ذلك القرار واتفق معه فى ذلك أعضاء فريق التحقيق، وقام المستشار إبراهيم صالح، رئيس نيابة مصر الجديدة، بعد التشاور مع المستشار مصطفى خاطر، بإخلاء سبيل جميع المتهمين، لعدم وجود أي أدلة، وتم إصدار القرار على غير رغبة النائب العام المعين.

فى اليوم التالي استدعى مكتب النائب العام، المستشار مصطفى خاطر ومعه السيد سامح عصام (رئيس النيابة الجزئية) والمستشار إبراهيم صالح (رئيس نيابة مصر الجديدة) لمقابلة النائب العام المعين، حيث استقبلهم استقبالا فاترًا ووجَّه إليهم اللوم الشديد على قرارهم بإخلاء سبيل المتهمين على غير رغبته.

وقد حاول المستشار مصطفى خاطر أن يشرح الأمر للنائب العام المعين تفصيليًا وقال له إنه لا توجد أي أدلة تثبت تورط المتهمين فى أعمال عنف، وإن محاضر التحريات جاءت لصالحهم، وإن الأمن لم يقبض عليهم، وإنهم تعرضوا لتعذيب شديد على يد عناصر من جماعة الإخوان المسلمين. ولكن النائب العام المعين قال لهم: إن هذا يُعَدُّ سوء تقدير للموقف، ويعني تكذيب المعلومات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية فى خطابه، وإنه فى وضع حرج للغاية، وقال لهم إنه لا يستطيع أن يجبر أحدًا على العمل معه، وإن مَن يرغب فى ترك العمل عليه تقديم طلب فى هذا الشأن.

خرج المستشار مصطفى خاطر ومَن معه، ولديهم إحساس كبير بالمهانة، نظرًا لما تعرضوا له داخل مكتب النائب العام المعين، وما رافق ذلك من تهديد واضح وصريح يكشف عن رغبة النائب العام المعين فى إجبارهم على حبس هؤلاء الأبرياء مهما كان الثمن فى المقابل، وهو ما عبَّر عنه البيان الصادر من النائب العام المعين بعد ذلك والذي أكد أنه سوف يتم حبس كل مَن توافرت أدلة ضده حتى مَنْ تم إخلاء سبيله منهم.

وعندما عاد المستشار مصطفى خاطر إلى مكتبه لمواصلة عمله فوجئ بفاكس يحمل كتابًا للنائب العام يتضمن قرارًا بنقله وانتدابه للعمل فى نيابة بني سويف، ونفس الأمر بالنسبة للمستشار إبراهيم صالح ومعه السيد سامح عصام، مما أثار سخط أعضاء النيابة العامة جميعًا.

الفريق أول محمد زكي

نص الاستقالة

وبعد اتفاق جرى بين المستشار مصطفى خاطر (المحامى العام لنيابات شرق) والمستشار إبراهيم صالح (رئيس نيابة مصر الجديدة)، تقدَّما بمذكرتين إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى تتضمنان استقالتيهما من النيابة العامة والعودة إلى منصة القضاء.

وقد جاءتِ المذكرة المقدَّمة من المستشار مصطفى خاطر باتفاق مع المستشار إبراهيم صالح إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى على الوجه التالي:

– تقدَّمتُ بتاريخ اليوم بطلب لنقلى للعمل بالمحاكم.. كما تقدَّم زميلى السيد إبراهيم صالح (رئيس نيابة مصر الجديدة) بطلب مماثل، وإذ نود أن نعرض أمام مجلسكم الموقر الأسباب التى أحاطت ودفعت بنا إلى تقديم هذين الطلبين لتكون تحت نظر أعضاء المجلس الموقر.. ليس انتصافًا لأشخاصنا، ولكن باعتباركم الممثل الأعلى للسلطة القضائية وأحرص الناس على إرساء قواعد القانون والعدالة.

1 – اعتبارًا من فجر يوم الخميس الموافق 6 من ديسمبر 2012 تلقت نيابة مصر الجديدة الجزئية التابعة لنيابة شرق القاهرة الكلية، إخطارًا بوقوع اشتباكات ومصادمات بمحيط قصر الاتحادية، نشأ عنها وفاة (9) أشخاص حتى الآن وإصابة المئات، وعلى الفور شرعتِ النيابة فى مباشرة التحقيقات واستهلتها بالانتقال للمستشفيات لمناظرة جثث المتوفين وسؤال المصابين ومعاينة أماكن الأحداث.

2 – أثناء إجراء المعاينة تلقيت اتصالًا هاتفيًّا من النائب العام يستفسر فيه عن مجريات التحقيق ومواقف المتهمين، وأبلغنا سيادته أنه كان قد تم ضبط حوالى 90 متهمًا على ذمة الأحداث، فأخبرنى أن هناك 49 بلطجيًّا تم ضبطهم، وأنهم محتجزون عند البوابة رقم (4) الخاصة برئاسة الجمهورية فى قصر الاتحادية، وأنه تم التصديق بمعرفة سيادته مع السيد السفير رفاعة الطهطاوى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، لكى تتوجه النيابة لقصر الرئاسة لتسلم هؤلاء المتهمين، وأفاد سيادته أنه يتعين اتخاذ قرار حاسم بشأن هؤلاء المتهمين، خصوصًا المجموعة التى تم ضبطها فى قصر الاتحادية. واستطرد سيادته: بحبسهم احتياطيًّا إذا توافرت الأدلة على ذلك.

3 – توجهنا إلى قصر الاتحادية وتقابلنا مع السيد رئيس الديوان، وقدم لنا سيادته مذكرة مفادها ضبط (49) متهمًا بمعرفة المتظاهرين ومعهم سلاح نارى فرد خرطوش، وبعض الطلقات وبعض الأسلحة البيضاء، وضُبطت أيضًا بمعرفة المتظاهرين، وقمنا بمناظرة هؤلاء المتهمين وتبين أن جميعهم قد تعرض للضرب المبرح، ووُجد فى كل منهم إصابات تم إثباتها فى حينه، بموجب محضر إجراءات وبموجب تقارير طبية، وأفاد كل منهم بأن مَن تولى ضبطهم هم مجموعة تنتمى لجماعة الإخوان المسلمين وأنهم تعرضوا للضرب والتعذيب للاعتراف بأنهم مأجورون لإحداث أعمال شغب لقاء مبالغ نقدية.

4 – وعقب ذلك عُرض علينا المحضر الخاص بالواقعة يوم الخميس فى الثالثة والنصف مساء، وشرع فريق التحقيق فى النيابة فى مباشرة التحقيقات واستجواب جميع المتهمين، وقد أُرفق مع التحقيقات محضر التحريات الذى تضمن ضبط المتهمين بمعرفة المتظاهرين أنفسهم.

5 – أثناء التحقيقات أذاع التليفزيون المصرى خطاب السيد الرئيس باعتراف المتهمين بتلقيهم أموالا، وأن هناك أدلة على ذلك، وهو ما لم يثبت فى التحقيقات.

6 – وبعد الانتهاء من التحقيقات تم عرض الأمر على السيد المستشار رئيس المكتب الفنى للنائب العام، والذى أفاد أن النائب العام يرغب فى إصدار قرار حاسم فى شأن هؤلاء المتهمين، فأبلغنا سيادته أنه لا توجد أى أدلة من شأنها إصدار قرار حبس للمتهمين، وأن آراء جميع أعضاء فريق التحقيق قد اتفقت على إخلاء سبيل جميع المتهمين، وقد أخطرنا بأنه يتعين علينا حبس مجموعة من المتهمين من البسطاء الذين لا يشغلون وظيفة وكان عددهم 45 متهمًا، إلا أننا رفضنا هذا المطلب، وقام السيد إبراهيم صالح (رئيس نيابة مصر الجديدة) بإخلاء سبيلهم.

7 – وفى اليوم التالى تم استدعائى وكل من سامح عصام رئيس النيابة الجزئية وإبراهيم صالح رئيس نيابة مصر الجديدة للاجتماع مع السيد النائب العام الذى استقبلنا استقبالًا فاترًا وسيئًا، ووجَّه إلينا اللوم على قرار إخلاء سبيل المتهمين بالرغم من أننا أبلغنا سيادته بعدم وجود أى قرينة أو دليل أو أسباب قانونية تدعو للحبس، إلا أن سيادته فسَّر ذلك بأن هذا يُعَد سوء تقدير للموقف، وأنه لا يستطيع أن يجبر أحدًا على العمل معه، وأن مَن يرغب عليه تقديم طلب فى هذا الشأن.

8 – وبالرغم مما تقدم ومما تضمنته الأحداث ومن مقابلة السيد النائب العام من إهانة لشخص ولفريق التحقيق فى القضية وتهديد غير صريح يسفر عنه رغبة سيادة النائب العام فى حبس هؤلاء المتهمين، وهو ما أشار إليه البيان الصادر من مكتبه إلى أنه سوف يتم حبس مَن تتوافر أدلة ضده حتى من تم إخلاء سبيله منهم.

9 – وبالرغم مما تقدم فقد آثرنا مواصلة العمل، إلا أننى فوجئت بأنه وصل إلى مكتبى عن طريق الفاكس كتاب النائب العام بنقلى وانتدابى للعمل فى نيابة استئناف بنى سويف، وهو اليوم السابق على تقديم طلبى بإنهاء العمل فى النيابات والعودة للمحاكم، مما كان طلب النقل فى حقيقته جزاء على مخالفة لم أرتكبها، ويُعَد تهديدًا صريحًا لكل فريق العمل الذى يعمل فى القضية سالفة البيان، وهو الأمر الذى دفع الزميل إبراهيم صالح رئيس نيابة مصر الجديدة ورئيس فريق التحقيق لتقديم طلب مماثل فى اليوم ذاته.

اجتماع الجمعية العمومية

فى الثالثة من عصر الخميس 13 ديسمبر 2012، عقدت الجمعية العمومية لأعضاء النيابة العامة والقضاة اجتماعًا طارئًا ترأسه المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، تحدث فيه العديد من رجال النيابة العامة، الذين أعلنوا تضامنهم مع رجال النيابة العامة فى نيابة شرق القاهرة، وفى مقدمتهم المستشار مصطفى خاطر والمستشار إبراهيم صالح الذي كان قد صدر قرار من النائب العام بإعادتهما إلى عملهما مرة أخرى والتراجع عن قرار إبعادهما إلى بني سويف، خاصة بعد أن رفض المستشار مصطفى خاطر والمستشار إبراهيم صالح تنفيذ قرار النائب العام المعين وقررا تقديم مذكرة إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء يشرحان فيها أسباب الطلب.

لقد قرر الأعضاء تعليق العمل بجميع نيابات الجمهورية لحين تنحي المستشار طلعت إبراهيم النائب العام “المعين” عن منصبه، وإقالة المستشار أحمد مكي (وزير العدل) وتخلي المستشار زغلول البلشي (مدير التفتيش القضائي) عن منصبه.. كما طالبوا بإقالة المستشار أسامة رءوف (المحامي العام لنيابات الإسكندرية).. ودعا الأعضاء إلى الاعتصام فى مكتب النائب العام فى العاشرة من صباح يوم الإثنين 17 ديسمبر 2012 لإجبار النائب العام “المعين” على تقديم استقالته.

وفى نهاية الاجتماع صدرت التوصيات مجددًا بضرورة إقالة النائب العام «المعين»، واحترام قانون السلطة القضائية، كما جرى الاتفاق على تعليق العمل بجميع النيابات العامة لحين تنفيذ القرار.. وهكذا ظل الموقف يتصاعد، سلطة تواجه القضاء وتتعمد إهانة رجاله، وقضاة بقيادة المستشار أحمد الزند يعلنون التحدي والمواجهة المكشوفة، ولم يكن قادة الجيش بعيدين عن متابعة المشهد ومراقبة تطوراته!!

وقد تحدث فى هذا الاجتماع المستشار محمود حمزة حيث طالب باستقالة المستشار أحمد مكى جنبًا إلى جنب مع المستشار طلعت عبد الله.

استقالة محمود مكى

قبيل الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على الدستور بنسبة تصل إلى 63.8% أعلن المستشار محمود مكي ـ نائب رئيس الجمهورية – عن استقالته التي قال إنه تقدم بها فى السابع من نوفمبر 2012، كانت الاستقالة أمرًا طبيعيًا بعد إلغاء منصب نائب الرئيس فى الدستور الجديد، يومها قال المستشار مكي: «إن ظروف الانشغال بما جرى من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة ثم مشاركته فى مؤتمر دول الثماني الذي انعقد فى باكستان حالت دون قبول الرئيس الاستقالة فى هذا الوقت».

كان الأمر مختلفًا بالقطع.. وكانت الادعاءات غير صحيحة. لقد اختار مكتب الإرشاد المستشار مكي لمنصب نائب الرئيس قبيل انتهاء مدة الشهر التي حددها الإعلان الدستوري الصادر فى 30 مارس 2011 لاختيار نائب الرئيس، وكان اختياره هو أقل الأضرار، خاصة أن الرجل يتمتع بعلاقة طيبة مع أعضاء مكتب الإرشاد، وسبق أن اعتذر عن طلب الإخوان ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية فى شهر فبراير عام 2012، وقبل أن يحسم مكتب الإرشاد أمره ويرشح أحد قياداته.

كان المستشار محمود مكي مطيعًا للرئيس، نادرًا ما يعترض على قراراته، لكنه منذ البداية أدرك أن وجوده كعدمه، وأنه لا يتمتع بأي صلاحيات حقيقية يمكن الاعتداد بها.

لقد فوجئ مكي منذ اليوم الأول، أنه محاط بمجموعة من القيادات التي تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، التي تحيط بالرئيس وتملي عليه صناعة القرار، كان بيدها الحل والعقد فى حكم البلاد، بينما هو كان يجلس فى مكتبه يستمع إلى الأخبار ويفاجأ بها.

حاول واجتهد، وطلب من الرئيس أكثر من مرة تحديد صلاحياته أو السماح له بالاستقالة من منصبه، ولكن الرئيس لم يُعِر مطلبه اهتمامًا، وبعد شدة الإلحاح أسند إليه مهمة إدارة الحوار الوطني مع الأحزاب والقوى السياسية، ولم يجرؤ مكي على الاعتراض.

لم تكن له أي علاقة بالجهاز التنفيذي، لم يكن باستطاعته إلزام وزير أو مسئول بتنفيذ قرار بعينه، أو محاسبة أحد على أي تجاوزات قد تقع، كان الرجل معزولا فى مكتب وثير داخل القصر الرئاسي بالاتحادية، وكان سعيدًا بإقامته الكاملة فى فندق تريمف القريب من مبنى رئاسة الجمهورية، حتي إنه كلف مؤسسة الرئاسة هو وأسرته أكثر من مليونيْ جنيه مصاريف الإقامة فى فترة لا تزيد على خمسة أشهر.

وفى أولى سفريات الرئيس إلى خارج البلاد، ثار سؤال عن هوية المسئول عن إدارة شئون البلاد فى غياب الرئيس، فقيل: إن نائب رئيس الجمهورية هو المسئول، غير أن مؤسسة الرئاسة أسرعت بإصدار بيان عاجل وسريع من خارج البلاد، يؤكد أن الرئيس لم يعهد لنائبه بتولي إدارة البلاد فى غيابه.

كان البيان صادمًا للمستشار محمود مكي، وقد أدرك منذ هذا الوقت، أن وجوده فى منصب النائب هو مجرد ديكور فحسب، وأن صلاحياته باتت معدومة، وأن البيان الصادر يمثل إهانة له ولمنصبه، لكنه كتم غيظه واستمر فى موقعه.

وفى الأول من أكتوبر 2012، دعا نائب الرئيس رؤساء تحرير الصحف المصرية إلى لقاء بقصر الاتحادية للإجابة على تساؤلاتهم فيما يتعلق بالأوضاع الراهنة، واستمر الحوار لعدة ساعات، ووعد بتكراره كل أسبوعين، ولكن تعليمات رئاسية صدرت له بعد هذا الحوار بالتوقف عن دعوة الصحفيين واللقاء بهم، وترك هذه الأمور للدكتور ياسر على المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية.

لقد أدلى المستشار محمود مكي بتصريح لرؤساء التحرير فى هذا اليوم نشره العديد من الصحف كـ«مانشيت رئيسي» حمَّل فيه جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة المسئولية عن التصريحات التي تسيء إلى الرئيس أكثر مما تخدمه، وقال: «إن الرئيس مرسي كان ينتمي للجماعة وهو يدفع الآن ثمن تلك التصريحات».

وبعد نشر هذه التصريحات ثارت ضجة واسعة داخل أوساط جماعة الإخوان المسلمين، واعتبر البعض أن محمود مكي يسعى لسبب أو لآخر لإثارة الفتنة بين الرئيس وجماعته، واعتبروا أن وجوده داخل قصر الرئاسة يُعَدُّ خطرًا على الرئيس وعلى الجماعة.

بعدها مباشرة طلب الرئيس من محمود مكي التوقف عن الإدلاء بمثل هذه التصريحات وعدم دعوة رؤساء التحرير بشكل دوري كما وعد، وترك الأمور للتطورات المستقبلية فى ضوء ما يراه الرئيس.

فى هذا الوقت جرى الاتفاق داخل مكتب إرشاد الجماعة على إلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية فى الدستور الجديد وذلك لتحقيق هدفين أساسيين:

– الأول: ضمان إبعاد المستشار محمود مكي عن هذا المنصب الرفيع.

– الثاني: أن يكون رئيس الوزراء فى الدستور الجديد هو الرجل الثاني فى الدولة الذي يحل محل الرئيس حال حدوث مانع مؤقت (كالمرض أو غيره) يحول دون مباشرة الرئيس سلطاته.

وبالفعل صدر الدستور الجديد متضمنًا المادة 153 التي تؤكد ذلك، كما أن الدستور الجديد لم يتضمن النص على وجود منصب نائب الرئيس، كما كان الحال فى الإعلان الدستوري الصادر فى 30 مارس من عام 2011.

كان المستشار محمود مكي قد جرى عزله نهائيًا عن سياق الأحداث والتطورات الحاصلة داخل القصر الرئاسي، وكان أبرزها الإعلان الدستوري الصادر فى 22 نوفمبر 2012.

فى هذا الوقت أدلى المستشار محمود مكي بتصريح مهم فى مؤتمر صحفي عقده يوم الخامس من ديسمبر 2012 قال فيه: «أنا أول من عارض الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس»، و«إن مستشاري الرئيس لهم تحفظات على الإعلان الدستوري الأخير، وإن من حقهم التعبير عن رأيهم بموقف أو تقديم الاستقالة وذلك لتسجيل موقف دون تعريض مصالح المواطنين للخطر».

كان مكي قد قدم استقالته فى السابع من نوفمبر 2012، لقد أدرك المستشار محمود مكي أن الأمر لم يعد يُحتمل، وأنه يشعر كل يوم بأن سياجًا من العزلة يحيط به من كل اتجاه، خاصة أنه كان على يقين بأن قرار عزله من منصبه آتٍ بعد إصدار الدستور لا محالة.

لقد رفض الرئيس قبول الاستقالة فى هذا الوقت، ولم يُرِدْ أن يمنحه هذا «الشرف»، كي لا يخرج إلى الناس بطلاً، لقد طلب منه الانتظار، وعندما أصر على الاستقالة وإعلانها جاء إليه بفواتير إقامته فى فندق «تريمف» وقال له: عليك الانتظار لحين تسوية فواتير إقامتك أنت وأسرتك فى الفندق وإلا فلتتحمل أنت قيمة المبالغ التي وصلت إلى نحو مليونيْ جنيه فى شهور معدودة.

كانت الصراعات داخل القصر الرئاسي تتزايد، وهي صراعات تدور جميعها حول الهيمنة والسيطرة الكاملة على صناعة القرار السياسي فى البلاد لحساب أجندة جماعة الإخوان دون غيرها، حيث عُهد لسبعة عشر شخصًا من كوادر الجماعة ورجال الأعمال الإخوان بإدارة جميع الأمور داخل القصر الرئاسي، متجاوزين بذلك جميع كوادر المؤسسة الرئاسية.

لقد كان فى مقدمة هؤلاء: د.عصام الحداد ود.أحمد عبد العاطي ود.ياسر على وخالد القزار ود.أيمن على وأيمن هدهد وأسعد الشيخة وغيرهم.

كان خروج المستشار محمود مكي من منصبه مهينًا، وعندما عُرض عليه منصب سفير مصر فى الفاتيكان لضمان بقائه تحت السيطرة لم يكن أمامه من خيار، فقبل منصب السفير، الذي استقال منه فيما بعد ورفض السفر من الأساس إلى الفاتيكان.

كانت الجماعة قد تعمدت إهانته، لأنه تجرأ فى يوم ما وحاول أن يحمِّل بعض قياداتها مسئولية الإساءة إلى الرئيس من خلال التصريحات غير المسئولة التي يطلقونها، فكان الجزاء إلغاء منصب نائب الرئيس من الأساس فى الدستور الجديد الذي وعد الرئيس بعدم إصداره إلا فى حالة التوافق عليه، إلا أنه راح يعطي التعليمات للمستشار الغرياني وجمعيته التأسيسية بضرورة أن يتضمن الدستور الجديد ذلك، وهكذا مضى محمود مكى بعيدًا عن المسرح بعد أن جرى توظيفه لصالح النظام ثم الاستغناء عنه وتهديده.

الدستور الجديد

فى هذا الوقت كانت الجمعية التأسيسية قد انتهت بالفعل من صياغة الدستور الجديد، وكان المستشار حسام الغريانى قد قدم مسودة الدستور لطرحه على الاستفتاء، وتجاهل أصوات المعارضة الشعبية وانسحاب العشرات من أعضائها من القوى المدنية التي أبدت اعتراضها على مسودة الدستور الذي حوى مواد مخالفة للحقوق والثوابت والمطالب الوطنية، وقد أصر مرسي على طرحه للاستفتاء فى 15 ديسمبر متجاهلاً جميع الاعتراضات الشعبية.

أضف تعليق

P