أستاذ بجامعة الأزهر: الاحتكار مُحرم شرعاً وإفساد لحياة البشر

الاحتكار واستغلال حاجة الناس، والمغالاة عليهم من أبشع أنواع الجرائم التي تُفسد حياة البشر وتكدر صفو المجتمع وترفضها كل الأديان قاطبة، لما لها من أثر مدمر على معيشة البسطاء وإزلال النفس الإنسانية التي كرمها الله وأعلى شأنها وجاء حفظها في مقاصد الشريعة وضروريات الدين الحنيف التي تدعو لإكرام الإنسان وصون حياته وإعلاء شأنه وتوفير مقدرات حياته ومايعينه على العيش بسلام دون إجحاف.

تقول الأستاذة الدكتورة بديعة على أحمد الطملاوي العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالإسكندرية عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بالغربية وأستاذ الفقه المقارن، أن الاسلام اهتم بحياة الفرد والمجتمع فلم تقف تعاليمه عند حدود علاقة العبد بربه في العبادات فحسب، بل نظم هذه العلاقة في جميع شئون حياته التي لا يستطيع العيش بدونها من معاملات وأحوال شخصيه وميراث وغيرها، وجاء حفظ النفس والمال من المقاصد الشرعية التي نص الشرع على مراعاتها وحرم التعدي عليها.

وتضيف إلا أننا في هذا العصر نجد طغيان المادة واستغلال حاجة الناس والطمع والجشع واحتكار السلع الضرورية التي لا يستطيع الفرد الاستغناء عنها من قبل كثير من التجار الى أن تختفي ويزداد الطلب عليها فيبيعها التاجر بأغلى من سعرها، مستغلاً حاجة الناس إليها، وعدم وجودها في الأسواق، و هؤلاء التجار الذين لا يراعون حدود الله تعالى وما أوصانا به الله عز وجل فى قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقال عز من قائل (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) الاعراف 156، وعن أبي هريره رضي الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جعل الله الرحمه فى مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الارض جزءًا واحداً فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشيه ان تصيبه) رواه الامام مسلم.

فقد أحل الله سبحانه وتعالى البيع الحلال، كما أحل الكسب الحلال الذي لا يخالطه جشع واستغلال، كما حرم الربا وأكل أموال الناس بالباطل، فقال عز من قائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) والاحتكار بالمعنى العام هو حبس كل ما يحتاجه الناس من طعام او ثياب أو دواء أو مال أو منافع أو سلع وعقارات من الأراضي والمساكن وغيرها وحبسها عن الناس حتى اذا اشتدت الحاجه اليها وازداد الطلب عليها باعها لهم بأغلى من سعرها في وقتها، ولا شك ان هذا أمر منهي عنه في الاسلام، فقد نهى عن الأضرار بالعباد والحيوان وخصوصا في وقت الجائحه أو الوباء او الحروب، لان من المقرر فقها ان الحاجه تنزل منزله الضروره عامه كانت أو خاصه، فالاحتكار المحرم يشمل كل ما تحتاج اليه الأمة من الاقوات، والعمال والخبرات العلميه والمنافع لتحقق مناطه وهو الضرر الذي يلحق بعامه المسلمين من جراء احتباس السلع وغلاء سعرها في وقت الحاجه إليها.

وتضيف “د.بديعة” وعلى ذلك فقد اتفق جمهور الفقهاء على تحريم الاحتكار لما فيه من التضييق على العباد واستغلال حاجتهم الماسة اليها ثم عرضها بسعر مغالى فيه يعجز الناس عن بذله وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ»، رواه مسلم، وعن أبي هريره رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من احتكر فكره يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ) أخرجه الهيثمي في مجمع الزواد وقوله صلى الله عليه وسلم ﷺ: «من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالىٰ، وبرىء الله تعالىٰ منه» أخرجه أحمد وقد اعتبره ابن حجر الهيتمي من الكبائر، فقد ذكر في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر( أن الاحتكار ينافي صفه التقوى كما في الامانة في التجاره لما فيه من التضييق والحرج والاضرار بالناس في اقواتهم، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال( من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والافلاس) رواه ابن ماجه.

أضف تعليق