استشرفوا العام الجديد بروح التفاؤل والتحدى

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك”، فالعقلاء والحكماء من الناس يتأملون في مضي الدقائق والساعات والليالي والأيام، ويعتبرون بما فيها من مواعظ وأحداث، فيقررون استغلالها فيما ينفعهم، فإن كل ماض قد يعود إلا العمر، فإنه نقص في الأجل، ودنو من دخول القبر.وقال الفضيل بن عياض لرجل: “كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل: أتعرف تفسير قولك: إنا لله وإنا إليه راجعون؟ إن من علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسئول، فليعد للسؤال جوابًا، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي والأعمال بالخواتيم”، فالعاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده.

وها نحن نستقبل عاما ميلاديا جديدا، ولن أخوض فى الترهات التى يرددها بعض مثيرى الفتن مع بداية كل عام ميلادى، من القول بعدم جواز تهنئة الإخوة المسيحيين بعيد ميلاد السيد المسيح، مخالفين بذلك ما استقرت عليه الفتوى فى مصر بأن هذه التهنئة من واجبات التعايش السلمى، ومن موجبات إفشاء السلام فى المجتمع، وهى من البر والقسط غير المنهى عنهما مع أهل الكتاب، بموجب قول الله تعالى فى الآية الثامنة من سورة الممتحنة: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”، فهل من البر والقسط أن نتجهم فى وجه الجار أو زميل العمل غير المسلم، ولا نهنئه فى عيده؟ وفى تقديرى أن الجهة منفكة بين مجرد التهنئة وقضية الإيمان والكفر، ولكنها تأتى فى إطار قول الحق تبارك وتعالى: “.. لكم دينكم ولى دين”.

الأمر الأهم هو أن ننتبه جميعا إلى أن أعمارنا تمر وتنقضى، وكلما مر عام ينبغى أن نتذكر ما يتعين علينا فعله فى العام الجديد، على مستوى الفرد والأسرة، بل على مستوى الأمة جميعها، وندرك بمرور الأيام، أن عجلة الزمن تدور، وقطار العمر يمضي، وأيام الحياة تمر، فمن منا يتأمل في ذلك جيدا، ويعتبر بما يجري، فالاعتبار مطلب شرعى، أمرنا الله تعالى به فقال سبحانه فى الآية الثانية من سورة الحشر: “.. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ”.

فعلينا أن نتفكر في هذه الأيام والليالي، فإنها مراحل نقطعها إلى الدار الآخرة حتى تنتهى إلى آخر الرحلة، وإن كل يوم يمر، بل كل لحظة تبعدنا عن الدنيا وتقربنا للآخرة، وإن هذه الأيام والليالي خزائن أعمالِنا، فهى محفوظة وشاهدة علينا بما فيها من خير أو شر، فطوبى لعبد اغتنم فرصها فيما يقربه إلى الله، وطوبى لعبد شغلها بالطاعات واجتناب المعاصى، وطوبى لعبد اتعظ بما فيها من تقلبات الأمور والأحوال.

ولقد كان النبى – صلى الله عليه وسلم – يستصحب التفاؤل في كل أحواله، ويستشرف المستقبل جيدا بروح طموحة متفائلة، كارها للتشاؤم، ناظرا لقادم الأيام بنظرة ثاقبة، فتعالوا بنا نبتسم للحياة، ونستنشق عبير التفاؤل، ونبدأ العام الجديد متحررين من الكآبة والسآمة، ونتوشح وشاح العزم والأمل، ولانقطع الأمل بالله، فإن بيده سبحانه مقاليد الأمور كلها، وقديما قيل: “تفاءلوا بالخير تجدوه”.

ففا أجمل أن نستقبل العام الجديد ونحن متفائلون بالخير ومستبشرون بأن قادم الأيام أفضل، وأن ننطلق بروح جديدة هى روح التفاؤل والتحدي، لنهزم كل الصعاب ونتخطى كل متاعب الحياة.

[email protected]

أضف تعليق