السودان بين اتجاهين

قسَّم التدخل الأمريكي والغربي في السودان القوى السياسية إلى فريقين وقد جاء الفرز بعد عمليات حراك سياسي واحتجاجات عنيفة وتدخل سافر من قبل السفراء الغربيين في الخرطوم وهي العملية التي استمرت منذ إسقاط البشير في أبريل 2019 وحتى الآن وكانت البداية بهيمنة واسعة من الفريق الداعم للتدخل الأجنبي، حيث استند واستظل بتحرك السفيرين الأمريكي والبريطاني ليهيمن على الساحة ويصبح الصوت الأعلى فيها ويتحرك بثقة مطلقة باعتباره الاختيار الدولي في السودان وقد ظن المراقبون أن الامر قد انتهى بشكل مطلق لصالح تسليم السودان ومستقبله للاستعمار الجديد ولكن العام 2022 شهد حراكا وطنيا موسعا تمثل في مبادرة نداء السودان التي تشكلت من قيادات صوفية بزعامة الشيخ الطيب الجد وكوكبة من كبار المثقفين والمفكرين ورجال السياسة وهي المبادرة الأولى التي قالت (لا) في وجه التدخل الاجنبي وفريقه الذي يريد الهيمنة الكاملة على صناعة القرار السوداني.

ولحق بهذا الفريق أيضا مجموعة أخرى هي الحرية والتغيير التوافق الوطني والتي تشكلت من ممثلي الحركات المسلحة التي وقعت سلام جوبا في أكتوبر 2020 ومن أبرزها حركة العدل والمساواة بزعامة وزير المالية الحالي دكتور جبريل إبراهيم وحركه تحرير السودان بزعامة حاكم دارفور الحالي ميني اركو ميناوي والحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة عضو مجلس السيادة مالك عقار والجبهة الثورية بزعامة عضو مجلس السيادة الطاهر حجر كما انضم إلى هذا الفريق عدد من القادة المستقلين ورموز من التيار الإسلامي الذين لم يشاركوا في حكم البشير والحركات المسلحة التي وقعت اتفاقات سلام مع البشير.

شكل الفريقان نداء السودان والتوافق الوطني جبهة قوية بعد انضمام الحزب الاتحادي بزعامة محمد عثمان مرغني إليها وشكلت إضافة الحزب الاتحادي ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد الإضافة الأكبر لهذا التيار الذي يرفض التدخل الأجنبي ويسعى إلى حل سوداني ويرفض سياسة الإقصاء التي حرص عليها التدخل الأجنبي وينفذها الفريق الآخر الذي يتشكل من قسمين القسم الاول وهو مكونات قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وهو: حزب المؤتمر السوداني وحزب الأمة والحركة الشعبية بزعامة ياسر عرمان وتجمع المهنيين وبعض لجان المقاومة وأحزاب أخرى حديثة وصغيرة وهذا القسم هو من وقّع مع المكون العسكري الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الجاري.

أما القسم الثاني من الفريق الداعم للتدخل الأجنبي فيتشكل من الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الجمهوري وعدد من لجان المقاومة ويقوم هذا الفريق بدور المعارض للاتفاق الإطاري وهو قد انشق عن قوى الحرية والتغير المجلس المركزي بالتوافق معها ليقوم بتحريك الشارع في المظاهرات والاحتجاجات ليشكل ضغطا مستمرا على المكون العسكري أي أن فريق التدخل الاجنبي قسّم نفسه إلى نصفين الأول يحصد المكاسب برعاية دولية والثاني يحرك الشارع للضغط على المكون العسكري لحصد مزيد من المكاسب والامتيازات.

ويري المراقبون أن إسقاط البشير في الحادي عشر من أبريل 2019 قد رفع القناع عن قوى سياسية كانت تزعم تبنيها للاستقلال الوطني فارتمت في حضن المستعمر الجديد منذ اللحظة الأولى لرحيل البشير عن السلطة وكانت تدعي الديمقراطية وترفع شعار الحرية ولكن عند وصولها إلى السلطة مارست أقصى درجات الإقصاء والاستبعاد للتيارات السياسية الاخرى وتجلت تصرفاتها المعادية للديمقراطية في أعمال لجنة التمكين التي اعتقلت الأفراد وصادرت الأموال دون سند من قانون أو المرور بالوسائل العدلية كما أصرت على تقسيم القوى السياسية السودانية إلى درجة أولى تشمل مكوناتها وهي صاحبة القرار في اختيار رئيس الوزراء ومجلسه واختيار أعضاء المجلس التشريعي وتشكيل جميع المفوضيات وأصرت على اعتبار جميع الأحزاب والمكونات السياسية الأخرى درجة ثانية لا يجوز لها إلا البصم على اختياراتها والتي هي في الاساس من ترتيب وتنظيم ممثلي الاستعمار الجديد.

أضف تعليق