لم يكن تتويج منتخب كوت ديفوار بلقب النسخة 34 من كأس أمم أفريقيا لكرة القدم على حساب نيجيريا مفاجأة بل صدفة ومعجزة كروية لاعتبارات عديدة في مشوار الفريق بالبطولة.
فالفريق الإيفواري منظم البطولة للمرة الثانية في تاريخه بعد استضافة أولى في عام 1984 ويعد أيضا من أقوى منتخبات القارة السمراء وسبق له التتويج باللقب مرتين في عامي 1992 و2015 بخلاف خسارته في مناسبتين بنهائي نسختي 2006 و2012.
كانت الترشيحات تصب في صالح “الأفيال” قبل انطلاق البطولة وترشحه للقب بجانب قوى كروية أخرى مثل السنغال حامل اللقب والمغرب رابع كأس العالم الأخيرة في 2022 ومصر صاحب الرقم القياسي في الفوز بالبطولة برصيد 7 مرات والكاميرون ونيجيريا وغيرها.
وقع أصحاب الأرض في مجموعة تبدو سهلة نظريا لكنه افتتح مشواره بانتصار غير مقنع أمام غينيا بيساو بهدفين ثم سقط في أول اختبار قوي أمام نيجيريا بهدف قبل أن ينهار برباعية نظيفة أمام غينيا الإستوائية في كبرى مفاجآت المونديال الأفريقي.
وفجأة بات منتخب كوت ديفوارعلى وشك الخروج المبكر وتمت الإطاحة بمديره الفني الفرنسي جان لوي جاسيه قبل أن يمنحه القدر هدية من السماء بالحصول على آخر بطاقة لأفضل أربعة منتخبات تحتل المركز الثالث بعد فوز المغرب على زامبيا في المجموعة السادسة بخلاف صدفة كروية أخرى بتعادل غانا مع موزمبيق بنتيجة 2/2 نتيجة ركلة ركنية بعد خطأ ساذج من الحارس الغاني في اللحظات الأخيرة.
استمر منتخب كوت ديفوار في البطولة وبقى بلا مدرب، وفشلت محاولة جدية في الاستعانة بالفرنسي هيرفي رينارد الذي قاد الأفيال للتتويج بلقب البطولة في 2015 بسبب رفض اتحاد الكرة الفرنسي فكرة إعارة رينارد خلال كأس أمم أفريقيا لتعارضه مع عمله كمدير فني لمنتخب فرنسا للسيدات الذي يستعد للمشاركة في أولمبياد باريس.
وهنا كتب الفصل الثاني في قصة الصدفة بإسناد المهمة إلى المدرب المساعد إيمرس فايي، نجم خط وسط الأفيال السابق البالغ من العمر 40 عاما.
وجد فايي نفسه في مقعد الرجل الأول ويتحمل مسؤولية تحقيق حلم أمة كاملة رغم أن سيرته الذاتية التدريبية لم تتجاوز سوى العمل مدربا لفريق الشباب بنادي نيس الفرنسي ثم مديرا فنيا لرديف كليرمون فوت الفرنسي ومدربا لمنتخب كوت ديفوار الأولمبي.
ولكن فايي تجاوز أول اختبار بنجاح بإقصاء السنغال حامل اللقب من دور الـ16 ثم أسقط مالي والكونغو الديمقراطية ونيجيريا تباعا حتى وصل إلى منصة التتويج.
وترك المدرب الإيفواري الشاب بصمة فنية أيضا حيث وضع يده على مواطن الخلل واستعان تدريجيا بأصحاب الخبرات بإعادتهم مجددا للتشكيل الأساسي مثل ماكس جراديل قائد الفريق وجان ميشيل سيري لاعب الوسط، وسيرجي أورييه الظهير الأيمن مع منح ثقة أكبر للجناح الشاب سيمون أدينجرا الفائز بجائزة رجل المباراة النهائية، وأيضا سباستيان هالر الذي صنع معجزة أخرى.
ففي كأس أمم أفريقيا كتب هالر فصلا جديدا في معجزات كرة القدم بعدما قهر مرض السرطان اللعين الذي كاد أن ينهي رحلته مع كرة القدم لابتعاده عن الملاعب ما يزيد عن 9 أشهر مما أفسد فرحته بالانتقال من أياكس أمستردام الهولندي إلى بوروسيا دورتموند الألماني في صيف 2022.
بدأ هالر المونديال الأفريقي على مقاعد البدلاء وهو يسابق الزمن للتعافي من إصابة في الكاحل أبعدته عن الدور الأول بالكامل ثم بدأ المشاركة تدريجيا في الأدوار الإقصائية بالنزول بديلا في مباراتي السنغال ومالي.
وفي لحظات الحسم استعاد سباستيان هالر مكانه في التشكيل الأساسي للأفيال ليسجل هدف الفوز على الكونغو الديمقراطية ثم هدف التتويج أمام نيجيريا ليكتب نجم بوروسيا دورتموند معجزة أخرى بعدما كان يواجه الموت في نفس الفترة من العام الماضي.