“المُرجِفون في المدينة”!! (1-2)

سهامُ الكلام قاتلة، ولا يمكن تعديل مسارها إذا انطلقت، وشتان بين كلامٍ وكلام، فالإيمان كلام والكفر كلام، وعقد الزواج كلام وعقد الطلاق كلام، وكلمة تدخل الرجل الجنةُ، وكلمة تكبُة على وجهه فى النار، وعطاء الله كلام وعذُابه كلام، ونظرًا لما فى نشر الشائعات من أضرار على أمن وسلامة المجتمعات.
مطلقو الشائعات ومروجيها قد أبغضهم الله، وبَغضَ الأتقياء فيهم، وبكل أسى أن مجتمعنا بنى ثقافته ومعلوماته على ثلاثة مصادر كاذبة «سَمِعنا.. وقالوا.. وبيقولوا» وتناسينا عمدًا قول الله تعالى «إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ» سورة الحجرات، وفى قراءة «فَتَثَبَّتُوا» أي تمهلوا ولا تتعجلوا في الحُكم على هذا الكلام، ونتيجة «الثرثرة» تُخرّب بيوت السُعداء وتُزهق أرواح الأبرياء وتلوث سمعة الأتقياء، وتضطرب أركان المجتمع، وصدق الله عندما سمى ناشرى الشائعات «المرجفين»، و«الإرجاف» هى الزلازل الشديدة التى تضرب الأرض، ولذلك أخذ الله تعالى العهد على نفسه «لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلًا» سورة لأحزاب.
و«المرجفون» صنف من ثلاثة أصناف من الناس ذكرهم الله تعالى فى الآية، صنف المنافقين وصنف الذين فى قلوبهم مرض، وهم المشككون فى دين الله الطاعنين فى سُنة رسوله «ص» وما أكثرهم اليوم، ويتباهون بذلك!!، وثالثهم «المرجفون» وهم مثيري الشائعات والأكاذيب، وتوعدهم الله تعالى جميعاً بنفس العقوبة، وأمر نبيه «ص» بقتالهم حتى ينتهوا عن أفعالهم، و«المرجفون» لا يملّون من نشر الشائعات الكاذبة، ويكررونها ويتبادلونها ليثق السامعين فيها مرة بعد مرة فيصدقونها، ومقصدهم من ذلك إِحداث الاضطرابات والذعر في المجتمع ولا ندري مكسبهم؟!، والشائعات إنما هى ترويج لشيء كاذب ليس له حقيقة يستهدف من يسأل ومن لا يسأل.
والآية السابقة تنبهنا لما كان يحدث مع النبي «صلى الله عليه وسلم» وأهله وأصحابه، وكان المرجفون يعلمون «أنه نبي ورسول من عند الله»، فمرة يشيعون أن النبي قُتل وأخرى يتهمون زوجهُ عائشة الطاهرة المطهرة، والثالثة يشيعون أن المسلمين انهزموا، وهدفهم إيقاع الشك والريبة في نفوس المسلمين.
و«التاريخ يعيد نفسه«، واليوم نجد المرُجفون وهم يجمعون الثلاث أصناف «المرُجفون والمنافقون والذين في قلوبهم مرض» ولكنهم اليوم فريقين، فريق عداوته واضحة للشعب والوطن ويصارع على السلطة، وفريق يأكلون لحوم العلماء أحياء وأمواتا لمجرد الشهرة، والفريقين توعدهم الله باللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله يقول «من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب»، نسأله تعالى ألا يمهلهم حتى لايكونوا أُسوُة فى إضلال غيرهم، وهؤلاء ليسوا أبناء الإسلام بل أبناء «عبد الله بن سبأ وعبد الله بن سلول وأتاتورك».
وحديثنا اليوم عن الفريق الأول من المرجفين، وهم المنافسين على السلطة، القائلين «نحكمكم أو نقتلكم» ولكنهم حرفوها وألصقوها فينا، وهم الذين أشاعوا منذ سنوات مقتل الرئيس «حفظة الله» وأن الموجود «دوبلير» إلى اتهام الرجل وأهله وأولاده في دينهم وانتمائهم، إلى اتهام قادة الجيش والشرطة والحكومة بالخيانة، إلى إتهام باقى الشعب لأنه لا يسير على هواهم، ومن ليس معهم فهو خائن ولا يعرف دينه!!، أو أن يكون مطيتهم يعبرون عليها لتحقيق مصالحهم، وإذا استبدلت الدولة العشوائيات بالمساكن «الآدمية»، وأنشئت الطرق وأقامت الكباري والمحاور، قالوا «الشعب كان أولى بالمليارات دى.. إحنا هناكل شقق وكباري» وقس على ذلك فى كل شئ، اتهامات ونكران للجميل وإحباط وتخويف الناس من المستقبل الذي هو «بيد الله وحده» ولو كان المستقبل بيد البشر ما سقطت الدول والأمبراطوريات على مر التاريخ، ولخطورة الأمر وأهمية القضية على صحة ولُحمة المجتمع، فقد أولى الله سبحانه وتعالى لنفسه قضية «المرجفين»، ووجه رسوله ماذا يفعل حال استمروا على هذا!
وكما أن للقضية تأصيل شرعي، فلها أيضا منظور علمي «اجتماعي- سياسي» مدروس ومقصود تستخدمه الدول المُدعية زوراً حماية حقوق الإنسان، وهى تستخدم مرتزقة «أكشاك حقوق الإنسان» گأحد أساليب الحرب الحديثة، بعد أن فشلت القوة المسلحة إدارة حروبهم!، فعقب غزو العراق، وبعد أن أنفق الأمريكان والغرب على الغزو مقربة ثلاثة تريليونات دولار، وكانت النفقات أكبر من المكاسب ولم يحصلوا على بترول العراق ولا غاز البلطيق!، ولذلك استبدلوا خططهم من الحروب المسلحة إلى الحروب الفكرية وبالوكالة، لتخريب المجتمعات من الداخل وقد نجحوا! وهم يتمتعون اليوم ببترول العراق وليبيا وسوريا!، ولم يفطن تجار الحروب لطريقة الحروب بالوكالة إلا متأخراً، وأفاقوا أخيراً إلى الخطة التي تركها لهم الرئيس الأمريكي نيكسون فى كتابه «نصر بلا حرب» وما كانت الاطلالة الجديدة لعجوز السياسة العالمية هنري كيسنجر إلا تأكيداً على فشل السياسات الأمريكية عقوداً فى إدارة الأزمات، وتخبطها وضياع هيبتها!
ومن جملة الحملة المسعورة لتخريب الدول بالحروب الحديثة، أسس «ستار تربلرس» في عام 1998. علم الاجنوتولجي، علم التجهيل أوالتشكيك، وهو التكذيب لكل شئ تقوم به الدول ومؤسساتها وتشكيك شعوبها فيها، وهي سياسة «إنهاك الخصوم» من الداخل ووضع الحكومات تحت ضغط «الدفاع المستمر»، ووضع المجتمع فى صراع متواصل من الإشاعات والأكاذيب وخلق الإحباط، وأصبح «الاجنوتولجي» عِلم يُدرس فى جامعة ستانلى الأمريكية، وينفذ بحذافيره فى كل المجتمعات المقصودة بالفوضى، ويأخذ المجتمع المصري نصيب الأسد! ليس لقوة عدونا ولكن لخيبة أملنا وريبنا في عدالة قضيتنا، وعدم فهم المدبر لنا! وتأصلت في الشعب قبيح العادات، وأصبح الشعب ينشر الأكاذيب بنفسه على نفسه!

أضف تعليق